لاإجماع في المسسائل
النظرية.....
فإن قال قائل : إن في
الشرع أشياء قد أجمع المسلمون على حملها على ظواهرها. وأشياء على تأويلها. وأشياء
إختلفوا فيها. فهل يجوز أن يؤدي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره أو ظاهر ما
أجمعوا على تأويله ؟
قلنا : أما لوثبت
الإجماع بطريق يقيني. فلم يصح وأما إن كان الإجماع فيها ظنيا فقد يصح. ولذلك قال
أبو حامد وأبو المعالي[وغيرهما] من أئمة النظر : إنه لا يقطع يكفر
.من خرق الإجماع
في التأويل أمثال هذه الأشياء.
وقد يدلك على الإجماع
لايتقرر في النظريات بطريق يقيني. كما يمكن أن يتقرر في
العمليات. أنه ليس يمكن أن
يتقرر الإجماع في مسألة ما في عصر ما إلا [بأن] يكون ذلك العصر عندنا محصورا. وأن
يكون جميع العلماء الموجودين في ذلك العصر معلومين عندنا, أعني معلوما أشخاصهم
ومبلغ عددهم. وأن ينقل إلينا في المسألة مذهب كل واحد منهم [فيها] نقل تواتر,
ويكون معنى هذا كله قد صح عندنا أن العلماء الموجودين في ذلك الزمان متفقون على
أنه ليس في الشرع ظاهر أو باطن. وأن العلم بكل مسألة يجب [ألا] يكتم عن أحد. وأن
الناس طريقهم واحد في علم الشريعة.
أما وكثير من الصدر
الأول قد نقل عنهم أنهم كانوا يرون أن للشرع ظاهرا وباطنا. وأنه ليس يجب أن يعلم
بالباطن من ليس من أهل العلم به ولايقدر على فهمه- مثل روي البخاري عن علي ابن
طالب رضي الله أنه قال : حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله.
ومثل ما روي من ذلك عن جماعة السلف- فكيف يمكن أن يتصور إجماع منقول إلينا عن
مسألة من السائل النظرية. ونحن نعلم قطعا أنه لايخلو عصر من الأعصار من علماء يرون
أن في الشرع أشياء لاينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس ؟ وذلك بخلاف ما عرض في
العلميات : فإن الناس كلهم يرون إفشاءها لجميع الناس على السواء ونكتفي بحصول
الإجماع فيه بأن تنتشر المسألة فلا ينقل إلينا فيها خلاف. فإن هذا كاف في حصول
الإجماع في العمليات بخلاف الأمر في العلميات.
(فصل المقال: إبن الرشد)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Silakan Komentar di bawah ini :